إن الأسد في الغابة هو الملك، ولكن لماذا؟ فهناك من هم أقوى منه من الحيوانات كالنمر أو الدب، والقوة هي أهم عنصر في الغابة، فقانون الغابة يأمر أن البقاء للأقوى، ولكنه أصبح الملك لأنه يتمثل بصفات الملوك وأحوالهم، فهو لا يصطاد بل يجعل لبؤاته يفعلن ذلك، وما أن يتممن المهمة فهو يذهب لتناول وليمته منفردًا، وهكذا يفعل الملوك، وإنك ترى الأسد تهمه أرضه أكثر من بنيه وزوجاته، وهذا هو حال الملوك، وإنك ترى الأسد يستأسد على بقية الحيوانات، وهكذا هم الملوك، وإنك ترى الأسد قلقٌ من أشباله لأنه يعلم أنهم سيتكالبون عليه في شيخوخته، ويتقاتلون لاحقًا فيما بينهم لأجل حكم مملكة البرية الشاسعة، ومع ذلك فهو مضطرٌ لأنه لا يريد أن تفسد مملكته وتحول إلى الزوال أو تذهب لأسدٍ آخر، وهكذا هم الملوك!
في بادئ كل ذي بِدء انبثقت الملاك غريبة كزهرة تزهر في عتمة الليل بكل شاعريةٍ وجمال، في أرضٍ كانت في ظلامها كالنملة في بطن الليل على الصخرة السوداء، ثم كانت ومعها نورها كالشمس تلقي بحقيقتها على أرض الظلام، فانفتن الشيطان الذي كان وما كان في جسده إلا سراديب السواد والظلام، من حقيقة هذا القلب النهَّام، الذي على كل ملذة آثمة همَّام، وكان على جبلٍ من صخورٍ حِمام تخرج منها أنهار اللظى تورد موارد الهلاك وتضيء بضوئها سماء عالم الأنام. فانطفئ الضوء، وجفت أنهار السقام، مخبرةً الشيطان بزهرة الملذات والمبتغات، الذي كان ينتظرها بكل حسرة ألف ألفٍ من الأعوام، فارتصد لها كل مرصدٍ سبعون ألف عام، وهو يرتشف لُعابه الذي كان يحرق الأرض لمَّا يسقط عليه وكأنه لعاب السلسبان، والسلسبان ضربٌ من ضروب أفاعي شياطين الظلام ، سوداء كأنها الليلة الليلاء، ببعض الحُمرة كأن النار تسعر على جلدها، لها ثلاثة أنياب: ناب السم، وناب الشيطنة، وناب السقام. بعد السبعين من الأزمان، وحروق الأرض من اللُعاب، نهدت الملاك وكانت كاللؤلؤ الحسان، على ثغرها يسيل ريق النحل، وعلى مراسيم البدن يرتسم بكل البرهان، إبداع صنع رب الجنان، فقال الشي...
تعليقات
إرسال تعليق