التخطي إلى المحتوى الرئيسي

أمثولة الحقل

 كان هناك حقل يعود إلى أسرة مكونة من أب وأم وثلاثة أطفال، ولدان وفتاة، كانت العائلة فتية فلازال الأطفال صغارً والأبوان لا يزالان في سن الشباب، كان هذا الحقل رائعاً عظيماً زاهياً يسرق الأنظار ويخلب الألباب، وكان الناس من جميع الاقطار يتهافتون عليه ويتزاحمون عنده فقط لرؤيته، ولكسب ثمرة من ثمراته التي واحدتها أحلى من العسل. 

كان الأب الفتي هو الذي بنا هذا الحقل الذي لا مثيل له من أقرانه، وإنما بُني هذا الحقل بسواعد الأب الفتية وبسبب الجرار الأحمر الشهير الزاهي اللون، القوي الذي كان يتمنى كل فلاح من الفلاحين الذين كانت مزارعهم تتاخم مزرعة هذا الفلاح الشاب، أن ينالون على واحدٍ مثله. 

كان الأب ينطلق يحرث أرضه من ساعات الفجر الأولى بهذا الجرار، وكان يداوم على صيانته حتى أنه كان يضيّق على حاله وعلى أسرته في بعض الأحيان، ويقترض المال لأجل المدوامة على صيانته لعلمه بأهمية هذا الجرار، الذي كانت تخفى على عائلته التي يساورها الفضول والحنق بعض الأحيان من ذاك.

لكن كان للزمن حُكمه وقراره، كبر هذا الأب وشاب، ثم مات ولم يبقى من يتولى هذا الحقل إلا الأبن الأكبر، الذي كان لا يملك من الخبرة ما يملكه والده، ولكنه كان يملك شيئاً منها ولذلك وعلى الرغم من فقدان الحقل شيئاً ليس يسيراً من بريقه وسمعته، إلا أنه كان لا يزال الأفضل بين أقرانه من بقية الحقول، هذا الأبن لم يكن يملك تلك العزيمة والإرادة التي كانت لدى والده في السابق. 

لكن على حين غره أصابت الحمى هذا الأبن ومات، ولم يبقى لهذه العائلة سوى العجوز الكبيرة والأبن الأوسط والفتاة الصغيرة، ولما كان الفتى لا يملك أيما مقوم للقيام بهذا الحقل، بل وكان منصرف اللب عنه، بدأ الحقل بالذبول، بدأت الثمرات بالتعفن، وبدأ العشب يصفر، وبدأت الأشجار تمرض، ولما كانت العائلة لا تعيش إلا على ما تجنيه من الحقل، بدأ الفقر يتسرب إليهم، ولما باتت العائلة في قعر الفقر والحاجة ولم يكمل الأبن الأوسط تعليمه، ولم تتعلم الفتاة ابداً، لم يعرفا حلاً لهذه الحالة المزرية، فالتجئا إلى والدتهما العجوز، التي لم يبدر منها إلا أن يتداعوا جميعاً على الشيخ في القرية، فنصحهما بالتهلل والزهد، فجعلو يعودون على الجرار الأحمر الشهير الذي بدأ الصدأ يلتهمه، ومحركة القوي أصبح معطلاً لأنه لم يلقى أي صيانة، فجعلو يعلقون التمائم عليه ويدعون ويتهللون لله أن يرزقهم. 

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الملاك والشيطان

في بادئ كل ذي بِدء انبثقت الملاك غريبة كزهرة تزهر في عتمة الليل بكل شاعريةٍ وجمال، في أرضٍ كانت في ظلامها كالنملة في بطن الليل على الصخرة السوداء، ثم كانت ومعها نورها كالشمس تلقي بحقيقتها على أرض الظلام، فانفتن الشيطان الذي كان وما كان في جسده إلا سراديب السواد والظلام، من حقيقة هذا القلب النهَّام، الذي على كل ملذة آثمة همَّام، وكان على جبلٍ من صخورٍ حِمام تخرج منها أنهار اللظى تورد موارد الهلاك وتضيء بضوئها سماء عالم الأنام. فانطفئ الضوء، وجفت أنهار السقام، مخبرةً الشيطان بزهرة الملذات والمبتغات، الذي كان ينتظرها بكل حسرة ألف ألفٍ من الأعوام، فارتصد لها كل مرصدٍ سبعون ألف عام، وهو يرتشف لُعابه الذي كان يحرق الأرض لمَّا يسقط عليه وكأنه لعاب السلسبان، والسلسبان ضربٌ من ضروب أفاعي شياطين الظلام ، سوداء كأنها الليلة الليلاء، ببعض الحُمرة كأن النار تسعر على جلدها، لها ثلاثة أنياب: ناب السم، وناب الشيطنة، وناب السقام. بعد السبعين من الأزمان، وحروق الأرض من اللُعاب، نهدت الملاك وكانت كاللؤلؤ الحسان، على ثغرها يسيل ريق النحل، وعلى مراسيم البدن يرتسم بكل البرهان، إبداع صنع رب الجنان، فقال الشي...

الأسد ملك الغابة

     إن الأسد في الغابة هو الملك، ولكن لماذا؟ فهناك من هم أقوى منه من الحيوانات كالنمر أو الدب، والقوة هي أهم عنصر في الغابة، فقانون الغابة يأمر أن البقاء للأقوى، ولكنه أصبح الملك لأنه يتمثل بصفات الملوك وأحوالهم، فهو لا يصطاد بل يجعل لبؤاته يفعلن ذلك، وما أن يتممن المهمة فهو يذهب لتناول وليمته منفردًا، وهكذا يفعل الملوك، وإنك ترى الأسد تهمه أرضه أكثر من بنيه وزوجاته، وهذا هو حال الملوك، وإنك ترى الأسد يستأسد على بقية الحيوانات، وهكذا هم الملوك، وإنك ترى الأسد قلقٌ من أشباله لأنه يعلم أنهم سيتكالبون عليه في شيخوخته، ويتقاتلون لاحقًا فيما بينهم لأجل حكم مملكة البرية الشاسعة، ومع ذلك فهو مضطرٌ لأنه لا يريد أن تفسد مملكته وتحول إلى الزوال أو تذهب لأسدٍ آخر، وهكذا هم الملوك!